بيان الألكسو في اليوم العالمي للفُنون

بيان الألكسو في اليوم العالمي للفُنون

قد تختلف الدُّول في مُقارباتها السياسيّة وامكانيّاتها الاقتصاديّة والعسكريّة، وقد تتعدّد جنسيّات شُعوب المعمورة وتتباين انتماءاتها الجغرافيّة، لكنّهم جميعا يتقاسمون المُشترك الثقافي للحلم الإنسانيّ الذي يتمثّل في الفُنون بمُختلف أشكالها ورُموزها التعبيريّة. فثقافات الشُّعوب وإن تنوّعت، تظلُّ مُتساوية ومُتشابهة في قيمتها وجدارتها، وهي الخيط الرّفيع الرّابط بين الأجيال المٌتعاقبة والحضارات.
لقد نجحت الثقافات البشريّة في اختراق الزّمان والمكان بفضل ما خلّفته من أعمال فنيّة عديدة ومُتنوّعة، تفنّنت في إنجازها أنامل بشريّة حرّكتها ملكة الإبداع والحُلم والخيال. هذه المُنجزات بتعدّدها وتنوّعها، وبمختلف وظائفها، كانت على مرّ العصور قاطرة للتّنمية البشريّة بجميع أبعادها، وشاهدا حيّا ومُتجدّدا على مدى قدرة الإنسان على التأقلم مع كلّ الظروف، ليظلّ في نهاية المطاف جوهر هذا الوُجود وقيمته الثّابتة.
وخلافا للسّنوات التي مضت، تأتي اليوم الذّكرى التّاسعة لليوم العالمي للفُنون والعالم يُجابه أزمة صحيّة أحدثها التفشّي السّريع والمُباغت لوباء "كوفيد 19" الذي حكم على جميع البشر في كلّ أنحاء المعمورة بالتّباعد الاجتماعي والحجر الصحي الشّامل. ويضعنا هذا الظرف الخاصّ في حالة دقيقة، فالإنسان كما قال عبد الرّحمان بن خلدون "مدنيّ بطبعه"، وليس بإمكانه تحمُّل العُزلة المفروضة عليه لمُدّة طويلة. وهي عُزلة قاسية لن تفُكّها سوى الثّقافة بتجلّياتها الفنّية المُتنوّعة لتزرع فينا بذور الأمل بغد أفضل يُستأنف فيه التّلاقي الاجتماعي من جديد وتعود فيه "الحياة" إلى طبيعتها. حياة يكون غذاؤُها الفكر وما يُولّده من قدرة على العطاء وطاقة للإبداع في مُختلف المجالات، ممّا يستدعي وضع المسألة الثقافيّة ضمن أولويّات اهتمامات المجموعة الدّولية وبرامج عملها في ظلّ هذه الرجّة الكونيّة.

وفي هذا الإطار تُساهم المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم-كبيت خبرة في مجالات تخصّصها-في الحركيّة العالمية لمُعاضدة جهود الدُّول العربيّة لمُكافحة هذه الآفة وذلك بالتنسيق مع جامعة الدُّول العربيّة والمنظّمات الدولية، وفي مقدّمتها اليونسكو، والإقليميّة ذات العلاقة. وتقوم مُبادرة الألكسو على العمل وفق محاور متعدّدة، تتلخّص عناصرها في توظيف شبكات التّواصل الاجتماعي والمنصّات الإلكترونيّة وتطويعها من أجل مُواصلة الحركيّة الثقافيّة وتحفيز أهل الفكر والثقافة في البلدان العربية على تنظيم الفعاليّات والأنشطة في مختلف مجالات الإبداع الفني والصّناعات الثقافية، وتوسيع سُبل الاستفادة منها وتشجيع الفنّانين على فتح الأروقة الافتراضيّة لترويج أعمالهم، وكذلك الاستماع إلى مشاغلهم ومُراجعة المُدوّنة التشريعيّة لحمايتهم وتحسين ظروفهم في هذا الوضع الطّارئ. هذا إلى جانب العمل على تيسير التّرابط والتّفاعل والتّكامل بين برامج المُؤسّسات والاتّحادات والجمعيّات المهنيّة والحوار بين القائمين عليها ومُنخرطيها وتقريب أنشطتها من المجتمعات المحليّة وتبادل الرّأي والخبرات والمعلومات بين الفاعلين الثقافيّين على مستوى الدُّول العربيّة ومع بقيّة دُول العالم، وفتح ورش لاحتضان ابداعات الأطفال والشّباب من الفتيات والفتيان، ودعم استدامة المهن الثقافيّة وتجاوز حالة التوتّر النّاجم عن العزلة الاجتماعيّة التي فرضتها إجراءات "الحجر" الاحترازي الحالي والاستعداد لخوض مرحلة إعادة البناء.