يمثل اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة (3 ديسمبر/ كانون الأوّل من كلّ عام) موعدا تاريخيا مهمّا في الذاكرة الحيّة للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وهو مناسبة رمزية تؤكّد الألكسو من خلالها التزامها المتجدّد بالتفكير المتأمّل وبالعمل المنهجي على دعم الجهود العربية والدولية من أجل دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في مجتمعاتهم. وبهذا المعنى تشارك المنظمة المجتمع الدولي في احتفالها بهذه المناسبة وتعتبرها لحظة تاريخية حاسمة في حياة الشعوب الإنسانية تتجدّد فيها القناعات المشتركة المشحونة بالقيم الإنسانية النبيلة المكرّسة لكرامة الإنسان العربي المتأصّلة وللعدالة والمساواة والتضامن والتعاون.
ويتنزّل هذا الموعد في إطار مساعي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الهادفة إلى التمكين للوحدة الفكرية بين أجزاء الوطن العربي من خلال مجالات التربية والثقافة والعلوم، وهي محرّكات فكرية ثقافية تساهم في تمكين “الجميع” على أساس من المساواة وتكافؤ الفرص وعدم الإقصاء وترسيخ الوعي المجتمعي بقدرات الأشخاص ذوي الإعاقة ومناصرتهم اللامشروطة ليتمكنوا من المساهمة في تقدم مجتمعاتهم، وفي تفعيل محرّكات التنمية المستدامة، التي تنشدها دولنا العربية. وتجدّد الألكسو بهذه المناسبة تنسيق العمل العربي، الذي سيكون خير عون لهذه الشريحة ولتحقيق الاستفادة القصوى من قدراتهم ومهاراتهم، وتجاوز التحديات التي تواجههم في الاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
وتجسيما لهذه الرؤية، تتجلى معاني شعار الاحتفال لهذه العام 2024
" تعزيز قيادة الأشخاص ذوي الإعاقة لمستقبل شامل ومستدام"
وهو شعار يندرج ضمن حركة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة العالمية "لا شيء عنّا دوننا"، ويرمز في عمق معانيه إلى المتطلبات الأساسية للمشاركة والتمثيل والإدماج ويمكّن الأشخاص ذوي الإعاقة من المشاركة في تشكيل ظروف حياتهم بشكل نشط. وبهذا يأتي الاحتفال باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة 2024، على خلفية التطورات العالمية المحورية، من قمة المستقبل إلى القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية القادمة. وتستكمل هذه القمم العالمية الرئيسة بعضها بعضا في توفير خارطة طريق مستمرة نحو السلام والتنمية الشاملة والمستدامة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومن خلال تأكيد هذا التكامل، يهدف الموضوع المختار للاحتفال في عام 2024 إلى التأكيد على أهمية الاستفادة من قيادة الأشخاص ذوي الإعاقة لضمان السلام والتنمية الشاملة والمستدامة للجميع.
وإذ تنوه منظمة الألكسو بجهود الدول العربية لتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإنها تعتبر أن الواقع الراهن لهذه الفئة الهامة من المجتمع العربي مازال في حاجة إلى مزيد الدعم والمساندة لبلوغ الآمال والتطلعات التي تقرّها جل المواثيق الدولية وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وتجسيما لهذه المبادئ، تؤكّد المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تكثيف الجهود العربية في سبيل تحقيق هذه الرهانات التي تحتاج إلى مواجهة صريحة ونوعية للمصاعب والتحديات المختلفة وإلى رسم حلول تنقذ هذه الرهانات من شكلياتها بما يساعد على تحويل سياسة الواجهات والشعارات إلى سياسة الإجراءات العملية المؤثرة في تطوير الواقع. ولا يستقيم أمر هذه الإجراءات المؤمّلة بنظريات وبخطابات فحسب، وإنما بتوفّر إرادات قويّة وبوجود فاعلين اجتماعيين يتميزون بالكفاءة وينخرطون في سيرورات حلولها قولا وفعلا إيمانا منهم بأن كرامة المواطن العربي إنما تكمن أساسا في كسب رهان جودة الحياة وتوفير مستلزماتها. ولا يسعنا أن نذكّر في هذا الإطار أن المعالجة الواعية والمسؤولة للعدالة الاجتماعية في وطننا العربي تمر وجوبا بعدالة تتأسّس على مقاربات منصفة ومدمجة تعيد الاعتبار للتربية والثقافة والعلوم وتطوّر دورها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي هذا المجال، وتثمينا للمنزلة الاعتبارية لهذا الموعد العالمي، يشار إلى أن المنظمة قد ساهمت إسهاما كبيرا ضمن مختلف برامجها ومشروعاتها في دعم الجهود العربية الرّامية إلى تطوير قدرات الأشخاص ذوي الإعاقة ودمجهم في مجتمعاتهم أشخاصا فاعلين التزاما منها بالثوابت الانسانية التي تكرّس الإنصاف والعدالة. وفي هذا الإطار يجدر بنا أن نعرض ما أنجزته الألكسو على سبيل الذكر لا الحصر:
- تطوير سياسات تعليمية شاملة تستجيب لاحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك من خلال إعداد الأدلة التوجيهية، وتوفير الموارد التعليمية الداعمة،
- استخدام التكنولوجيات الرقمية المساعدة على تيسير التعليم،
- التنسيق مع الدول العربية على تطبيق مناهج تربوية تكفل دمج جميع الطلاب في النظام التعليمي،
- المساهمة في تعزيز الوعي بثقافة الإعاقة من خلال تنظيم فعاليات ثقافية وفنية تُبرز إبداعات الأشخاص ذوي الإعاقة،
- تغيير الصور النمطية عن الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمعات العربية ودعم المبادرات التي تركز على التدريب المهني وتوفير فرص العمل المناسبة،
- تعزيز دور الأشخاص ذوي الإعاقة الفاعل في الحياة العامة، وإشراكهم في صنع القرار على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية،
- تعزيز التعاون مع المؤسسات الإقليمية والدولية لتبادل الخبرات والموارد، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تضمن عدم ترك أي شخص خلف الركب.
هذا وتُجدد الألكسو في هذا اليوم دعوتها إلى الحكومات والمجتمعات العربية للعمل على تهيئة بيئة شاملة وداعمة للأشخاص ذوي الإعاقة، تتسم بالاحترام والكرامة والعدالة. إن بناء مستقبل أفضل وأكثر شمولاً يتطلب من الجميع التكاتف والعمل سوياً لضمان الحقوق الكاملة لهذه الفئة.
معاً نحو مجتمعات عربية أكثر شمولاً وإنسانية.
المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)